المشاركات الشائعة

الجمعة، 3 يونيو 2011

نخب العار


يسألونك عن النخب !!
• النخبة مفردة جمعها (النخب) ، وتعبر كلمة النخبة عن طبقة معينة أو شريحة منتقاة من أي نوع عام ، والنخبة فى اللغة : المختار من كل شيئ ( المعجم الوجيز ، باب النون ، فصل الخاء ) .
• فى كل أمة من الأمم يبرز من بين أبنائها " نخب " تتميز فى مجال من مجالات الدين أواللغة ، الاقتصاد أوالسياسة ، الفن أو الثقافة ، ويكون بروزهم وتميزهم لعلم اجتهدوا فى طلبه، أو مال كدوا فى كسبه ، أو موهبة تفردوا بها . ويكونوا فى الغالب قوميين منتمين لأوطانهم وهويتهم الدينية والحضاربة، يتنافسون ويتسابقون لتحقيق نهضة أمتهم ورفعة وتقدم شعوبهم والسيربهم فى مسارات العلم والتقدم والتنمية ، هؤلاء هم " النخب " الحقيقية لأمتنا العربية والأسلامية ، الذين يحتاج حصرهم والحديث عن مآثرهم الكثير!
• حتى جاء الاستعمار الغربى الصليبي الهمجي الى منطقتنا العربية والأسلامية ليعيث فيها عسفا وظلما وجورا ونهبا ، فيتصدى لمواجهته ومقاومته ودحره تلك "النخبة " الوطنية من أبناء الامة ، كل فى مجاله ، ليعطلوا سيره ويرفعوا كلفة بقائه فى أوطانهم ، وينشطوا فى فضح مؤامراته وظلمه وجرائمه ونهبه فى الداخل والخارج ، وليعمقوا فى الوعي الجمعي فكرة رفض الهيمنة الأستعمارية بكل صورها وأشكالها ، ليدرك الأستعمار أنه لامكان له فى أوطانهم ، مهما طال الوقت ، كيف وهو لا يقدر على العيش بلا احتلال لأرض الغير، لاسيما العرب والمسلمين ، لحقده التاريخي عليهم وعلى دينهم وطمعه فى ثرواتهم ، و اعمال القتل والظلم والتدمير والنهب فيهم ، ليقررالمستعمرون أن يصنعوا لأنفسهم " نخبتهم الجديدة الخاصة " الدائرة فى فلكهم ، المفتونة بثقافتهم ، المتحمسة لأرضائهم وأقتفاء آثارهم ، من أبناء العرب والمسلمين ، الذين أرضعهم الأستعمار الغربي لبان ثقافته المتعصبة الكارهة للعروبة والأسلام ، وأشربهم " القابلية للاستعمار " ( المصطلح لمالك بن نبي) ، فكانت تلك " النخب الجديدة " بمثابة النبت الشيطاني الذى أورد أمتنا الموارد ، وشمت بها الأعداء ، وجعلها فتنة للقوم الكافرين !!
• تلك " النخب الجديدة " التي أجتباها الغرب وأحتضنها ورعاها ، ونزع عنهم ثياب هويتهم الحضارية العربية الأسلامية ، ليفقدهم أعز ما يملكون ! ثم أطلقهم فى أمتنا ، وجعلهم ينظرون إلى شعوبها باعتبارهم "العوام" أو العامة إن لم يكن "الدهماء"، أو في أحسن الحالات اعتبار أفعالهم عاطفية، وليست صادرة عن وعي وعقل وذكاء وتراكم للتجارب والخبرات ! فيعيثوا فيها أرجافا وتحريشا وفتنة ، ينفرون من دينها ، ويفترون على تاريخها ، ويغمزون ويلمزون فى رموزها ، ويشيعون فى أبناءها الشك والحيرة والتمزق ، حتى يتنكروا لدينهم وهويتهم وكرامة أوطانهم ، ويلهثوا مثلهم ليظفروا بأن يكونوا ذيلا للغرب وخدما له ولسياسته الأستعمارية الظالمة ولثقافته المادية الهدامة !!
• منذ أن تآمر " كمال أتاتورك " مع الغرب على الخلافة وأنقض عليها ، ليحرم الكتابة بلغة القرآن والأذان بها ، ويجرم الحجاب ويفرض القبعة الغربية ! ليأتي " طه حسين " ويطلق صيحته القائلة : ليس أمامنا لكي ننهض الا ان نأخذ عن الغرب ثقافته ، كل ثقافته ، خيرها وشرها ، حلوها ومرها !! وصولا الى اليوم الذى أصبح من المعتاد فيه أن يجترأ أحدهم : بأن لادخل لله فى السياسة ، وأن حديث المسلمين عن أعجازعلمي فى قرآنهم ماهو الا تعويضا عن "عقدة نقص لديهم " ! ويكمل آخر: بأن ليس للمسلمين أن يعيشوا الا فى ظل كيان منزوع الدين – الأسلامي فقط طبعا – بحجة المواطنة ، يأكلون ويشربون ويلعبون ، وكأنهم فى معسكر للأعاشة ! وآخر لايرى من تاريخ هذه الأمة ألا الأستبداد والقتل والدماء والغدر !!
• عز عليهم جميعا أن يكونوا فى مثل شرف وأنصاف " جوناثان ليونز " مؤلف " بيت الحكمة " الذي تعرض فيه لقطرة من بحر حضارة المسلمين :
• يصور الكاتب اجتياح الصليبيين للقسطنطينية عاصمة المسيحية الشرقية، إذ دمر جيش من المتعصبين ضيقي الأفق يقودهم كهنة جهلة لم تكن لديهم فكرة عن الإسطرلاب، سيد الآلات العلمية آنذاك. وكانت ترعبهم الظواهر الطبيعية كخسوف القمر أو التغير المفاجئ في الطقس، وكانوا يظنون ذلك سحرا أسود !
• ثم يسترجع الكاتب تاريخ الحروب الصليبية التي بدأت بنداء البابا أوربان الثاني ، ويستعرض ظروف أوروبا الداخلية والحاجات الدنيوية التي أدت إلى إطلاق هذا النداء الديني، الذي أدى إلى : انقضاض عالم متأخر بربري همجي على عالم متحضر راق هو العالم العربي ! ويستعرض الكاتب فظاعات الصليبيين وصولا إلى أكلهم اللحوم البشرية في بلدة المعرة السورية في شتاء 1098م، وينقل عن رودولف دوكان، الذي شهد فظاعات المعرة ، " وضع جنودنا كبار الوثنيين – يقصد المسلمين - في قدور وسلقوهم أحياء، وشكوا الأطفال بأسياخ ووضعوهم على سفود ثم التهموهم مشويين" !! ويصف زميله المؤرخ ألبرت فون آخن تفاصيل تلك المذبحة المروعة بلغة عادية فيقول " لم يتورع جنودنا عن أكل ميتة الترك والمسلمين، بل لقد أكلوا الكلاب كذلك"!!
• انتشرت في بغداد صناعة الورق، وأول مصنع له عام 795م مما أدى إلى ازدهار النتاج العلمي في حين كانت أوروبا تعتمد الكتابة على جلود الحيوانات. أنشا هارون الرشيد مكتبة ملكية ضخمة سماها "بيت الحكمة" ضمت كل علوم ومعارف العالم وتفرغ فيها علماء للبحث العلمي وأجربت منها أرزاق كثيرة لتمويل المعرفة. يقول الكاتب "وعلى امتداد 150 عاما، ترجم العرب كل كتب العلم والفلسفة اليونانية، وحلت العربية مكان اليونانية لغة للبحث العلمي، وغدا التعليم العالي أكثر فأكثر تنظيما في أوائل القرن التاسع، وكان في أغلب المدن الإسلامية جامعة من نوع ما ....". وكانت ذروة الحضارة العربية مع الخليفة المأمون الذي حكم بين العامين 813-833م، وكان حاد الذهن بصيرا بكل أصناف العلوم. جمعت بغداد في عصره كل علوم الكون من علوم الهند واليونان والسريان والفرس والبيزنطيين، إضافة إلى ما بدأ أبناء الحضارة العربية بإبداعه، ومن أشهرهم الخوارزمي الذي بلغ قمما نادرة في الفلك والجبر والحساب، فقد عمل في المسح الصحراوي لقياس محيط الأرض، وعمل على الإسطرلاب، وشارك في الأرصاد الفلكية ووضع "زيح السند هند" الذي ظل يستخدم لقرون، وأخيرا هناك الخوارزميات الشهيرة التي لا تزال تستخدم حتى اليوم بعد تعديلها.
• وبينما كانت أفضل مجموعات الكتب في أوروبا لا تتعدى بضع عشرات من المجلدات، كان بيت الحكمة يفتخر باحتوائه على أربعمائة ألف مجلد !! ،
• ويتابع الكاتب "...... من المستحيل تصور الحضارة الغربية من دون ثمار العلم العربي، فن الجبر للخوارزمي، أو التعاليم الطبية والفلسفية الشاملة لابن سينا، أو علم الجغرافيا وفن رسم الخرائط للإدريسي المستمرين إلى اليوم، أو العقلانية الصارمة لابن رشد. بل الأهم من عمل أي شخص كانت المساهمة الإجمالية للعرب، تلك التي تقع في صميم الغرب المعاصر ! أما الرحالة "آديلارد" فقد رحل إلى الشرق بدافع تحصيل العلم العربي. فقد كانت أوروبا تغرق في الظلام في ذلك الوقت، فهي لا تعرف مبادئ الحساب وبالكاد دخل المعداد من الأندلس قبل سنوات قليلة وعجزت أعظم العقول عن استخدام الصفر.
• أدى دخول الإسطرلاب عن طريق العرب إلى ثورة حقيقية في هذا المجال. لكن دخول التكنولوجيا العربية إلى مجتمع جاهل لا يعرف أغلبه حتى القراءة والكتابة عدّ أمرا مريبا وغزوًا فكريا، فاتهم عدد من العلماء بالهرطقة أو بممارسة السحر الأسود !!
• الفصل الأخير من الجزء الرابع من الكتاب خصصه الكاتب لتبيان كيف اخترع العرب الغرب وساهموا بنهضته !! فقد تسربت فلسفة ابن رشد إلى الجامعات الغربية رغم تحريمات 1277م التي وضعتها لجنة من بيروقراطيي الكنيسة ووجهت خاصة إلى العلوم العربية من الفلسفة وعلم الفلك والعلاقة التي يقيمها بين حركة الأجرام السماوية والحراك على الأرض. ويجزم الكاتب أن العرب اخترعوا الغرب، فالعلم الغربي في ذلك الوقت "كان نقلا مباشرا هائلا إلى الغرب المسيحي -قد يقول البعض سرقة ثقافية كبيرة من ذلك الغرب- للمعرفة والتكنولوجيا العربية التي لا تقدر بثمن" !!
( المصدر : http://www.aljazeera.net/NR/exeres/5DBE9444-C246-43D3-927B-C36A89EAC0B7.htm )
• لعل ماتقدم يقتضي الكف عن اعتبار تلك "النخب الجديدة " لنفسها وكأنها : مالكة الوعي والمعرفة، تفيض بهما أو تهبط بهما من خلال مظلة على الشعب، فالنخب عليها احترام الشعب واحترام عقيدته ووعيه وتقاليده وتجاربه ! فبقدر ما يمكن أن يعطي المثقف أو السياسي أو القائد للشعب ، يمكن للشعب أن يعطيه ويعلمه ! وهذا لا يكون إلا إذا أحسن احترام الشعب وأحسن جس نبضه وأحسن التعلم منه، فعندئذ فقط يتلاقى الأخذ والعطاء المتبادلان في علاقة " النخبة " بالشعب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق